في إطار معركة الحضانة في المحاكم البريطانية بين حاكم دبي وزوجته السابقة، خلصت المحكمة إلى أن الشيخ محمد آل مكتوم أمر باستخدام برنامج “بيغاسوس” للتجسس على هواتف زوجته الأميرة هيا بنت الحسين وفريق محاميها.
قضت المحكمة العليا في إنجلترا بأن حاكم دبي ونائب رئيس الإمارات، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، أصدر أوامر بالتجسس على هواتف زوجته السابقة، الأميرة الأردنية هيا بنت الحسين، وفريق محاميها في إطار “حملة ترويع وتهديد مستمرة” خلال معركة قضائية على حضانة أطفالهما.
وقالت المحكمة إن الشيخ محمد أمر باستخدام برنامج “بيغاسوس”، الذي تطوره شركة (إن إس أو) الإسرائيلية، بغية اختراق هاتف الأميرة هيا، الأخت غير الشقيقة للعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وهواتف بعض المقربين منها.
ووجدت المحكمة أن نائب رئيس الإمارات ورئيس حكومتها البالغ 72 عامًا أعطى “تفويضًا صريحًا أو ضمنيًا” لاختراق هاتف زوجته السادسة الأميرة هيا بنت الحسين، باستخدام برنامج بيغاسوس للتجسس،
كذلك أجاز إدخال هذا البرنامج في هواتف المحامين والمساعد الشخصي واثنين من أفراد الفريق الأمني لزوجته البالغة من العمر 47 عامًا والتي شن ضدها “حملة تخويف وترهيب”.
وفي حكم صدر الأربعاء (السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 2021)، قال رئيس قسم الأسرة في المحكمة العليا بإنجلترا وويلز، أندرو ماكفرلين، إن الأطفال يجب أن يعيشوا مع والدتهم، مشيراً إلى حكم سابق صدر في مارس/ آذار خلص إلى أن الشيخ محمد عرض الأميرة هيا لحملة ترهيب جعلتها تخشى على حياتها.
وخلص القاضي إلى أن الشيخ محمد رتّب لخطف ابنتيه شمسة، التي كانت تبلغ من العمر 18 عاماً، عام 2000 من شوارع كامبريدج في وسط إنجلترا، وإعادتها إلى دبي. كما وجد القاضي أن الشيخ محمد رتّب لأن تعمد قوات الأمن الهندية إلى خطف شقيقة شمسة الصغرى، لطيفة، من قارب في المياه الدولية قبالة الهند عام 2018.
وأضاف ماكفرلين: “مثلما أثبتت الحقائق السابقة، فإن الأب، وهو رئيس حكومة الإمارات العربية المتحدة، مستعد لاستخدام ذراع الدولة لتحقيق ما يعتبره حقاً … لقد عمد إلى مضايقة وترهيب الأم قبل رحيلها إلى إنجلترا ومنذ وصولها إليها”.
وقال القاضي البريطاني إن “النتائج تمثل انتهاكاً تاماً للثقة وفي الواقع إساءة استخدام للسلطة إلى حد بعيد”.
ومدد ماكفرلين أيضاً أحكام أمر سابق بعدم التعرض والمضايقة، والذي منع الشيخ محمد من شراء أي أرض أو ممتلكات بالقرب من منزل هيا في ريف بيركشير، غرب لندن، بعد أن حاول وكلاؤه شراء قصر مطل على منزلها تبلغ قيمته 30 مليون جنيه إسترليني.
بن راشد يرفض كلام المحكمة
من جانبه، رفض الشيخ محمد آل مكتوم ما خلصت إليه المحكمة، قائلاً إنها تستند إلى صورة غير مكتملة الأركان، مضيفاً في بيان أنه لطالما أنكر المزاعم الموجهة ضده وما زال على موقفه، وأن النتائج استندت إلى أدلة لم يُكشف عنها له أو لمستشاريه، ولذلك يصر على أنها قدمت بطريقة غير عادلة.
كشف عمليات تجسس
وظهرت عملية التجسس على هيا والمرتبطين بها في بداية شهر أغسطس/ آب من العام الماضي، بمن فيهم المحامية فيونا شاكلتون وهي عضوة في مجلس اللوردات البريطاني، والتي مثلت ولي العهد الأمير تشارلز في طلاقه من زوجته الراحلة الأميرة ديانا.
وأُحيطت المحكمة علماً بأن النقاب كُشف عن هذا النشاط بعد أن حصلت شيري بلير، زوجة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، على معلومات من شاكلتون بأنها والأميرة هيا تعرضتا للتجسس.
في الوقت نفسه، نبه خبير من منظمة “سيتزين لاب”، التي تجري أبحاثاً في مجال المراقبة الرقمية، الفريق القضائي للأميرة بعد رصد الاختراق.
وقال محامو الأميرة هيا إنه بمجرد الكشف عن عملية الاختراق، ألغت شركة (إن إس أو) الإسرائيلية عقدها مع الإمارات، قائلة إنها لا تستطيع التعليق بعد على القضية، ولكنها أشارت إلى أنها ستتخذ إجراءات إذا تلقت أدلة على إساءة استخدام نظام “بيغاسوس”. وقالت الشركة إنها أغلقت ستة أنظمة لعملاء سابقين بعقود تزيد قيمتها عن 300 مليون دولار. ولم تذكر أي تفاصيل.
ورفضت شاكلتون وبلير التعليق.
ما الذي فعله البرنامج؟
بمجرد تثبيته، يمكن لبرنامج بيغاسوس تتبع موقع الشخص وقراءة رسائله وبريده الإلكتروني والاستماع إلى مكالماته وتسجيل نشاطه المباشر بالإضافة إلى الوصول إلى التطبيقات والصور وتشغيل الكاميرا والميكروفون عن بُعد.
لم يتم إثبات أن القرصنة التي جرت مرتبطة بالمواجهة القانونية في المملكة المتحدة بينه وبين زوجته لإعادة ابنتهما جليلة وابنهما زايد إلى دبي. ولكن التجسس على الهاتف سمح باستخراج 265 ميغابايت من البيانات (ما يوازي 24 ساعة من التسجيل الصوتي أو 500 صورة فوتوغرافية).
ودخل الشيخ محمد بن راشد والأميرة هيا في معركة حضانة طويلة ومريرة ومكلفة منذ أن هربت إلى بريطانيا مع طفليهما جليلة (13 عاماً) وزايد (9 أعوام). وقالت إنها تخشى على سلامتها، وسط شكوك بأنها أقامت علاقة مع أحد حراسها الشخصيين البريطانيين.
يشار إلى أن التكاليف القانونية للقضية بلغت ملايين الجنيهات الإسترلينية، إذ ترافع في القضية بعض من أبرز المحامين البريطانيين. وأكدت المحكمة أن تكاليف استئناف واحد فقط بلغت 2.5 مليون جنيه (2.95 مليون يورو).
ي.أ/ ص.ش (أ ف ب، رويترز)