جمعية ضحايا التعذيب

‎جرائم الدعم السريع في الفاشر تعيد التذكير بالدور الإماراتي في السودان

الدعم السريع

‎في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور بالسودان، تجري وقائع وثقها الجناة أنفسهم وتَعدّها الأمم المتحدة “جرائم جماعية مروعة”، شملت إعدامات ميدانية، ضربات جوية بدون تمييز، نهبٌ ممنهج وانتهاكٌ واسع للحياة المدنية. وفي الخلفية، تتصاعد أسئلة عن تورط دولة الإمارات في دعم قوات الدعم السريع RSF التي تُنفّذ هذه الأعمال، وهو ما يستدعي تسليط الضوء ولو بشكل موجز حول مسؤولية الإمارات عن جرائم قوات الدعم السريع، اعتمادًا على مصادر أممية وإعلامية موثوقة.

‎جرائم الفاشر

في أواخر أكتوبر المنصرم 2025، أعلنت مصادر ميدانية أن قوات الدعم السريع RSF سيطرت على مدينة الفاشر، وهي آخر معقل لجيش السودان الرسمي في دارفور.

قيادات سياسية وعسكرية تابعة لقوات الدعم السريع مقيمة في الإمارات احتفت بهذا الإنجاز، لكن بحسب تقرير لـ هيومن رايتس ووتش (HRW)، شهدت المدينة هجمات بالطائرات المسيّرة والقصف الجوي مع تصاعد عمليات القتل والاغتصاب ونهب المدنيين.

ووثقت مصادر حقوقية وإعلامية ضربات جوية بالطائرات المسيّرة استهدفت مناطق مدنية داخل الفاشر، مع سقوط ضحايا بينهم أطفال، فضلا عن أعمال نهب وترويع المدنيين أثناء فرارهم من المدينة، بحسب شهود.

تشكّل هذه الوقائع بحسب حقوقيين جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، وفق المعايير الدولية. وبالتالي فإن هذه العمليات في ظل ارتباط مرتكبيها بتوجيه ودعم إماراتي، سيتجاوز الانتهاكات الذاتية إلى مسؤولية دولة الإمارات بشكل واضح.

‎دعم الإمارات

درجت الإمارات على نفي توريد أسلحة أو تقديم دعم لقوات الدعم السريع RSF، لكن تقارير موثوقة تُفيد بعكس ذلك، أو على الأقل تثير شبهات قوية، من بينها تقرير فريق الخبراء للأمم المتحدة (UNC Panel) – S/2024/65 بتاريخ 15 يناير 2024، الذي أشار إلى أن RSF قد حصلت على سبل إمداد جديدة عبر دارفور وتشاد وليبيا. وقال التقرير: إن وجود شبكات تمويل وتهريب مرتبطة بالنزاع يجعل النزاع في دارفور ليس فقط مسألة عسكرية بل أيضاً اقتصادية/مالية، ما يزيد تعقيد المساءلة.

ويضيف التقرير أن ضعف تنفيذ العقوبات – أو التهرّب من الرقابة – يشكّل ثغرة كبيرة في الجهود الأممية لوقف تدفّق الأسلحة والموارد التي تغذّي النزاع.

كما أن الانتهاكات التي يوصّفها التقرير تشكّل قاعدة قوية لكل من المساءلة الجنائية الدولية وضغط المنظمات الحقوقية، وكذلك دعوة لتدابير سياساتية مستعجلة (تقييد التصدير، مراقبة السلاح، تعزيز الوصول الإنساني)
‎في الفقرة 42 من التقرير، تُورد اللجنة أن مصادر في تشاد ودارفور أفادت بأن “عدة مرات أسبوعياً تُفرغ شحنات أسلحة وذخائر من طائرات شحن مصدرها الإمارات تصل إلى مطار أم دجّرّاس (Am Djarass)” قرب الحدود السودانية-التشادية، ثم تُنقل على شاحنات إلى قاعدة لـ قوات الدعم السريع (RSF) في شمال دارفور.

ويذكر التقرير أن الإمارات ردّت على الاتهامات في 21 ديسمبر 2023 بأن شحنات الطائرات كانت لأغراض إنسانية — إنما اعتبرت اللجنة أن الاتهامات كانت “ذات مصداقية”.

في الملحق 5 من التقرير (Annex 5) وردت مراسلات بين اللجنة (Panel) وممثلي الإمارات حيث نُقلت ردّ الإمارات بأنها “لم تشارك في نقل أسلحة وذخائر عبر الإمارات إلى RSF عبر تشاد” وأن رحلات الطائرات كانت لأغراض إنسانية، وهو الأمر الذي تنفيه الوقائع على الأرض والتحقيقات الاستقصائية الموثقة.

في تقرير لمنظمة العفو الدولية، تكشف المنظمة أن قطع مدفعية صينية الصنع (Norinco AH-4) تمّ تحديدها في السودان، وأنه لم يكن هناك مستورد غير الإمارات لها. كما يلفت تحليل لموقع Atlantic Council إلى أن الإمارات تزوّد RSF بأسلحة، وتهيئة لوجستيات عبر تشاد ودول الجوار.

بهذا الخصوص قدمت الحكومة السودانية دعوى ضد الإمارات أمام محكمة العدل الدولية (ICJ)، لكن المحكمة قررت في 6 مايو 2025 أنها تفتقر للاختصاص، وبالتالي لم تبحث الجوهر، وهو لا يعني بالضرورة نفي التهم الموجهة ضد الإمارات بالمسؤولية عن دعم وتمويل قوات الدعم السريع الضالعة بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

صحيفة الجارديان البريطانية كانت قد نشرت مؤخرًا تحقيقاً عن وجود معدات بريطانية صُمّمت للإمارات ثم وُجدت في أيدي قوات الدعم السريع RSF، وربطت ذلك بأن الإمارات استخدمتها لإمداد RSF.

خلاصة الأمر، تشير دلائل عدة أن الإمارات قدّمت أو ما زالت تقدّم دعماً مادياً أو لوجستياً لـ RSF، مع علم محتمل أو توقع بالاستخدام في ارتكاب انتهاكات جسيمة، وهو ما يضعها تحت مراجعة قانونية دولية لمسؤولية الدول عن «المعاونة» أو “التواطؤ” في جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية.