تتصاعد الانتقادات الدولية لسجلّ دولة الإمارات العربية المتحدة في مجال حقوق الإنسان، والاتهامات المتكرّرة بدعم أطرافٍ منخرطة في نزاعات دامية في أكثر من بلد عربي، فيما كثّفت خلال الآونة الأخيرة تحرّكاتها الدعائية داخل أروقة الأمم المتحدة، عبر تنظيم سلسلة فعاليات هدفت إلى إبراز ما تصفه بـ”النهج الشامل في صون وتعزيز حقوق الإنسان”.
وخلال الدورة الـ60 لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، نظّمت جمعية الاتحاد لحقوق الإنسان، وهي من الجمعيات المقربة من السلطات الإماراتية، ندوةً في نادي الصحافة السويسري بعنوان “حقوق الإنسان في دولة الإمارات: المسيرة والريادة”، كما نظمت معارض للصور تكرس للدعاية الإماراتية حول مزاعم اهتمامها بحقوق الإنسان في البلد.
وجاء في تصريحات لرئيسة الجمعية فاطمة الكعبي، نشرتها على منصة “إكس”، أن الندوة شكّلت “منصة لإبراز النهج الإماراتي الشامل في تعزيز حقوق الإنسان بجميع أبعادها، من الحقوق المدنية والسياسية إلى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرقمية، في إطار رؤية تنموية تضع الإنسان في صميم أولوياتها”. كما نظّمت الجمعية نفسها ندوة أخرى بعنوان “أزمة تعددية الأطراف وضرورة حماية حقوق الإنسان في سياق النزاعات المسلحة”، بالتعاون مع المنظمة الأوروبية للقانون العام (EPLO)، وبمشاركة عدد من الدبلوماسيين والخبراء الدوليين، ناقشت فيها ما وصفته بالدور الإنساني والدبلوماسية الوقائية التي تضطلع بها الإمارات في مناطق النزاع.
لكن نشطاء حقوق الإنسان اعتبروا تلك الفعاليات “جزءًا من حملة ممنهجة لتجميل الصورة الحقوقية” للدولة الخليجية، التي تواجه اتهاماتٍ بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان داخل حدودها، وبالتورط في أدوارٍ مقلقة في نزاعاتٍ مسلّحة خارجها لا سيما في اليمن وليبيا والسودان.
انتقادات واسعة لما وُصف بـ”التجميل الحقوقي”
ويرى حقوقيون أن الندوات التي نظّمتها الإمارات في جنيف تندرج ضمن ما يُعرف بـ”الدبلوماسية الحقوقية التجميلية”، إذ تروّج الدولة لإنجازات إنمائية واقتصادية بوصفها دليلاً على “الريادة الحقوقية”، في حين تُخفي واقعًا قاتمًا يتّسم بتقييد الحريات، وغياب المساءلة، واستمرار سياسة الاعتقال التعسفي والتعذيب.
وتثير منظمات حقوقية دولية باستمرار قضية احتجاز السلطات الإماراتية العشرات من النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان في ظروفٍ تنتهك المعايير الدولية للمحاكمة العادلة”، مشيرة إلى ما يُعرف بـ”قضية الإمارات 84”، التي شملت محاكماتٍ جماعية تفتقر إلى الشفافية، وأحكامًا بالسجن الطويل على خلفيات سياسية.
كما تؤكد أن الإمارات “تواصل قمع حرية التعبير والمعارضة السلمية، وتستخدم قوانين الأمن السيبراني ومكافحة الإرهاب لتكميم الأفواه”، لافتةً إلى أن “الترويج لصورة زاهية في المحافل الدولية لا يُغيّر واقع القمع الممنهج داخل البلاد”.
غياب المنظمات المستقلة والضحايا عن المنصات الرسمية
ويرى خبراء في القانون الدولي إلى أن الندوات التي تنظمها الإمارات “تفتقر إلى الشفافية والتوازن”، إذ تُستبعد منها المنظمات الحقوقية المستقلة، ولا يُسمح بعرض وجهات نظر الضحايا أو المدافعين المنفيين.
ويقول خبراء قانونيون إن هذه الفعاليات “تكرّس سردية رسمية أحادية” تُمجّد الإنجازات التنموية، لكنها تتجاهل الالتزامات الأساسية المنصوص عليها في المواثيق الدولية، مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقية مناهضة التعذيب.
ويضيف الخبراء أن “إبراز مشاريع البنية التحتية أو التحوّل الرقمي كأدلة على احترام حقوق الإنسان يخلط بين التنمية والخطاب الحقوقي”، موضحين أن “الحقوق لا تُقاس بالخدمات، بل بمدى احترام الدولة للحرية، والمساءلة، والعدالة، والحق في التنظيم والتعبير”.
اتهامات بالتورط في انتهاكات خارجية
وإلى جانب سجلّها الداخلي، تواجه الإمارات انتقادات متصاعدة بسبب دورها في عدد من النزاعات المسلحة. ففي اليمن، وثّقت منظمات حقوقية دولية وجود سجونٍ سرية تديرها قوات محلية مدعومة إماراتيًا، شهدت ممارسات تعذيب واختفاءٍ قسري بحق معارضين سياسيين.
وفي السودان، قدّمت الحكومة السودانية دعوى أمام محكمة العدل الدولية تتّهم فيها أبوظبي بتزويد قوات “الدعم السريع” بالسلاح والمعدات، في ما وُصف بأنه “تورّط في جرائم تطهير عرقي” في إقليم دارفور، رغم نفي الإمارات المتكرر لتلك المزاعم.
أما في ليبيا، فقد اتّهم تقرير أممي الإمارات بانتهاك حظر السلاح عبر دعم مجموعات مسلّحة في الصراع الداخلي، وهو ما أثار مخاوف من تقويض الجهود الأممية لتحقيق السلام.
ويقول حقوقيون إن هذا السلوك “يتنافى مع الخطاب الإنساني” الذي تحاول الإمارات تصديره في المحافل الدولية، ويُظهر تناقضًا واضحًا بين أقوالها وأفعالها.
واقع داخلي قاتم
داخليًا، تستمر السلطات الإماراتية في فرض قيود صارمة على حرية التعبير والتنظيم.
فبحسب منظمات دولية، لا تزال عشرات العائلات تنتظر الإفراج عن أقاربها الذين أنهوا محكومياتهم منذ سنوات دون مبرر قانوني، في انتهاك واضح لمبدأ “عدم الاحتجاز التعسفي”.
كما يشكّل نظام الكفالة المطبق على العمال المهاجرين “إطارًا قانونيًا للعبودية الحديثة”، بحسب وصف منظمات عمالية، إذ يحرم العمّال من حرية التنقّل وتغيير العمل، ويعرّضهم للاستغلال والانتهاكات، رغم التشريعات الشكلية التي أعلنتها الحكومة.
وفي المقابل، تواصل الإمارات تقديم نفسها كـ”نموذجٍ للتسامح والانفتاح”، مستندة إلى خطابٍ إنساني رنّان لا يجد ترجمة حقيقية في الميدان.
دعوات لتعزيز المساءلة الدولية
إزاء هذا الواقع، يدعو حقوقيون المجتمع الدولي وآليات حقوق الإنسان الأممية إلى إخضاع الإمارات لمراجعة جادّة تشمل ملفاتها الحقوقية الداخلية وتدخّلاتها الخارجية، ومطالبتها بإتاحة المجال أمام بعثات الأمم المتحدة والمنظمات المستقلة لزيارة سجونها وتوثيق الانتهاكات.
مشددين على ضرورة وقف توظيف المنابر الأممية في تبييض الانتهاكات، وربط التعاون الدولي مع أبوظبي بمعايير واضحة لحقوق الإنسان، مشيرين إلى أن “استمرار الصمت الدولي يمنح غطاءً سياسيًا لسياسة الإفلات من العقاب”.
وختم أحد الخبراء في جنيف بالقول إن “التجميل الحقوقي لا يمكن أن يصمد أمام الوقائع”، مضيفًا أن “الاختبار الحقيقي لالتزام الإمارات بالمعايير الدولية يبدأ من الداخل، لا من قاعات المؤتمرات في جنيف”.