شهدت محافظة حضرموت خلال الأيام الماضية تصعيدًا عسكريًا غير مسبوق رافقته انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، ارتكبتها قوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، بدعم عسكري وأمني مباشر من دولة الإمارات العربية المتحدة. وتأتي هذه الانتهاكات في سياق تحول استراتيجي أوسع يهدف إلى فرض السيطرة العسكرية شرق اليمن، وتغيير موازين القوى بالقوة المسلحة، بما يتجاوز الأطر الدستورية والمرجعيات السياسية المعترف بها دوليًا.
وبحسب بيان رسمي صادر عن رئاسة هيئة الأركان العامة اليمنية، أسفرت الاعتداءات الأخيرة لقوات الانتقالي المدعومة من الإمارات عن مقتل 32 جنديًا وإصابة 45 آخرين من قوات المنطقة العسكرية الأولى، إضافة إلى فقدان عدد من العسكريين، مع معلومات مؤكدة عن تصفية جرحى وإعدام محتجزين خارج نطاق القضاء. وتمثل هذه الأفعال انتهاكًا صارخًا لاتفاقيات جنيف، ولا سيما الحظر المطلق لقتل الجرحى والأسرى والأشخاص العاجزين عن القتال.
وتشير التحليلات السياسية، إلى أن ما جرى في حضرموت لا يمكن فصله عن مشروع التمدد العسكري شرقًا الذي يتبناه المجلس الانتقالي الجنوبي، باعتبار حضرموت والمهرة “الحد الأخير” في مسار فرض السيطرة الكاملة على المحافظات الجنوبية، تمهيدًا لانتزاع اعتراف دولي بكيان منفصل بحكم الأمر الواقع، وهو الأمر الذي أفصحت عنه مواقف وتصريحات نشطاء إماراتيين مقربين من السلطة، بمن فيهم الأكاديمي عبدالخالق عبدالله الذي يوصف بأنه مستشار رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد.
وعلى الرغم من انخراط المجلس الانتقالي رسميًا في هياكل السلطة المعترف بها دوليًا منذ اتفاق الرياض (2019)، إلا أنه واصل، سياسيًا وعسكريًا، العمل على تحقيق هذا الهدف. وقد حقق اختراقه الأول شرقًا في عام 2022 بالسيطرة على أبين وشبوة، مستفيدًا من تحولات داخل السلطة الشرعية وتراجع نفوذ خصومه.
ومع مطلع عام 2023، اتجهت الأنظار إلى حضرموت، حيث رفع المجلس الانتقالي مطلبًا بإخراج قوات المنطقة العسكرية الأولى من وادي حضرموت، واستبدالها بقوات محلية موالية له، وفي مقدمتها قوات النخبة الحضرمية المدعومة إماراتيًا. ورغم معارضة السعودية وسلطنة عُمان لهذا المسار، فإن التطورات الأخيرة كشفت عن تفوق عملياتي واضح لقوات المجلس الانتقالي وحلفائه، مكّنهم من فرض السيطرة خلال فترة وجيزة.
الانتهاكات بحق المدنيين على أساس مناطقي
في هذا السياق العسكري، تلقت جمعية ضحايا التعذيب في الإمارات تقارير ميدانية وشهادات متطابقة تفيد بارتكاب عمليات اقتحام منازل وسطو مسلح استهدفت مدنيين في حضرموت، وبصورة خاصة مواطنين من أبناء المحافظات الشمالية. وشملت هذه الانتهاكات نهب ممتلكات خاصة، وترويع النساء والأطفال، وتهديدات واعتقالات تعسفية.
وتُظهر هذه الممارسات نمطًا تمييزيًا خطيرًا قائمًا على الانتماء المناطقي، في انتهاك للمادة (17) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ولمبدأ المساواة وعدم التمييز.
كما أشارت تقارير موثوقة إلى إعدامات ميدانية خارج نطاق القضاء طالت جنودًا من أبناء المناطق الشمالية، بعد أسرهم أو أثناء تلقيهم العلاج من إصاباتهم. وتُشير ملابسات هذه الوقائع إلى استهداف مناطقي متعمد، بما يرقى إلى جرائم حرب ويهدد بتفجير نزاعات مجتمعية ذات طابع انتقامي.
دور الإمارات والمسؤولية الجنائية
ترى الجمعية أن هذه الانتهاكات لا يمكن فصلها عن الدعم العسكري واللوجستي والسياسي الذي تقدمه دولة الإمارات للمجلس الانتقالي الجنوبي. فالتطورات الأخيرة عززت موقع أبو ظبي كـالفاعل الإقليمي الأكثر نفوذًا في اليمن، ممتدًا من الساحل الغربي إلى عدن، وصولًا إلى حضرموت والمهرة.
ويثير هذا الدور مسؤولية قانونية دولية محتملة لدولة الإمارات، في حال ثبوت علمها أو مساهمتها أو تقاعسها عن منع الانتهاكات، وفق قواعد المسؤولية الدولية عن الأفعال غير المشروعة.
إن جمعية ضحايا التعذيب في الإمارات تخلص إلى أن الانتهاكات المرتكبة في حضرموت تشكل جزءًا من مسار عسكري–سياسي أوسع يهدف إلى إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية لليمن بالقوة، على حساب المدنيين وحقوقهم الأساسية، وبما يقوض أي فرص حقيقية لسلام عادل ومستدام.
وعليه، تطالب الجمعية بفتح تحقيق دولي مستقل في جميع الانتهاكات المرتكبة في حضرموت، ومحاسبة المسؤولين عن الإعدامات الميدانية، وتصفية الجرحى، والانتهاكات ذات الطابع المناطقي، وحماية المدنيين وضمان عدم استهداف أي فئات على أساس مناطقي أو جغرافي ومنع أي ممارسات تمييزية.
كما توصي بوقف الدعم العسكري الإماراتي للقوات المتورطة في انتهاكات جسيمة، ودعوة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى منع تحويل اليمن إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية على حساب حقوق الإنسان، والعمل على ضمان المساءلة وإنهاء الإفلات من العقاب.
وتشدد الجمعية على أن العدالة للضحايا واحترام سيادة القانون يمثلان شرطًا أساسيًا لأي مسار سلام مستدام في اليمن.


