جمعية ضحايا التعذيب

وفاة علي الخاجة تسلط الضوء مجددًا على منظومة التعذيب وسوء المعاملة في سجن الرزين

تدين جمعية ضحايا التعذيب في الإمارات بأشد العبارات وفاة معتقل الرأي الإماراتي علي عبدالله الخاجة (59 عاماً) داخل سجن الرزين، بعد أكثر من ثلاثة عشر عاماً من الاحتجاز التعسفي، والتعرض لسوء المعاملة والحرمان الممنهج من الحقوق الأساسية، بما في ذلك الرعاية الصحية الكافية.

توفي الخاجة يوم الأربعاء 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2025 في زنزانته بسجن الرزين، بعد أن قضى سنوات طويلة في الحبس الانفرادي والتضييق المستمر، وجاءت وفاته بعد أيام قليلة من وفاة والده، بينما كانت الأسرة تنتظر تنفيذ الإفراج الذي كان يجب أن يتم منذ أغسطس/آب 2022.

إن وفاة الخاجة ليست حادثة معزولة، بل نتيجة مباشرة لسياسة ممنهجة من التعذيب وسوء المعاملة والاحتجاز التعسفي المتواصلة بحق المعتقلين السياسيين في الإمارات، وفي مقدمتها ما يتعرض له السجناء في سجن الرزين، الذي وثّقته منظمات دولية كسجن سيئ السمعة تُنتهك فيه المعايير الدنيا لحقوق الإنسان.

من الاعتقال إلى الوفاة… مسار من الانتهاكات المتراكمة

اعتُقل علي عبدالله الخاجة من منزله في 28 أغسطس/آب 2012 على خلفية نشاطه السلمي وارتباطه بجمعية “الإصلاح”، ضمن حملة واسعة استهدفت أكاديميين ومحامين وقضاة ومدافعين عن حقوق الإنسان وقعوا على عريضة تطالب بإصلاحات سياسية ودستورية.

وبحسب شهادات موثوقة، فقد تم احتجازه سراً وفي أماكن غير معلومة لأشهر، في ظروف من الإخفاء القسري والانقطاع الكامل عن العالم الخارجي، دون تمكينه من التواصل مع محامٍ أو أسرته. تطابقت شهادات عديدة في ملف “إمارات 94” مع ما سجلته منظمات دولية حول تعرّض المتهمين للتعذيب وسوء المعاملة خلال فترات الاحتجاز السري، بما يشمل الحبس الانفرادي الطويل وانتزاع الاعترافات تحت الإكراه.

في 2 يوليو/تموز 2013، أدانته المحكمة الاتحادية العليا في أبوظبي ضمن المحاكمة الجماعية المعروفة بـ”إمارات 94” وحكمت عليه بالسجن 10 سنوات تليها 3 سنوات مراقبة، في محاكمة وصفها الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي في الأمم المتحدة بأنها محاكمة جائرة تنتهك المعايير الدولية للمحاكمة العادلة، وخلص في الرأي رقم 60/2013 إلى أن احتجاز المتهمين تعسفي، لكن رغم ذلك استمرّ احتجازه الى جانب العشرات من معتقلي الرأي السياسيين ونخبة المجتمع الإماراتي.

استمرار الاحتجاز بعد انتهاء المحكومية

انتهت العقوبة السجنية للخاجة في 28 أغسطس/آب 2022 وفقاً لبيانات منظمات حقوقية دولية وقوائم موثقة بأسماء معتقلي “إمارات 94” الذين أنهوا محكومياتهم. وبدلاً من الإفراج عنه، أبقته السلطات الإماراتية رهن الاحتجاز في ما يسمى “مركز المناصحة” في سجن الرزين، بحجة أنه يشكل “خطراً إرهابياً”، دون تحديد مدة زمنية أو إتاحة أي آلية فعّالة للطعن في قانونية هذا الاحتجاز، وهو ما يشكّل شكلًا من أشكال الاحتجاز إلى أجل غير مسمى، يتعارض مع القانون الدولي لحقوق الإنسان ومع مبدأ عدم جواز المعاقبة مرتين على الفعل ذاته.

إعادة المحاكمة في “الإمارات 84” كأداة ضغط نفسي

في 7 ديسمبر/كانون الأول 2023، أعادت السلطات الإماراتية تقديم الخاجة إلى المحكمة مع 83 شخصاً آخرين أمام دائرة أمن الدولة بمحكمة أبوظبي الاستئنافية، في القضية المعروفة إعلامياً بـ”الإمارات 84”، بتهم “تأسيس ودعم تنظيم إرهابي”، وهو الأمر الذي أدانه خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة في بيان بتاريخ 19 يناير/كانون الثاني 2024، معبرين عن قلقهم العميق من هذه المحاكمة، وأشاروا إلى أن الاتهامات تستند إلى أفعال مزعومة تعود إلى الفترة 2010–2011، وأن المتهمين سبق أن حوكموا عليها في إطار محاكمة “إمارات 94”. وحذروا من أن هذه المحاكمة يمكن أن تؤدي إلى أحكام بالسجن لمدد طويلة أو حتى الإعدام على أساس اتهامات ملفقة بالإرهاب.

لقد كانت إعادة محاكمة الخاجة بعد انتهاء محكوميته، وإبقائه في بيئة احتجاز قاسية، ثم الحكم مجدداً في إطار “الإمارات 84” بأحكام مشددة، ليس سوء جزء من التعذيب النفسي والمعاملة القاسية واللاإنسانية، خاصة بعد سنوات من الانتظار على أمل الإفراج.

سجن الرزين.. “غوانتانامو الإمارات”

وصفت تقارير حقوقية دولية وإماراتية مستقلة سجن الرزين بأنه “غوانتانامو الإمارات”، نظراً لعزلته في الصحراء وشدة القيود والرقابة الأمنية والقيود على الزيارات والاتصال بالعالم الخارجي. وقد وثّقت هذه التقارير بانتظام ظروف احتجاز قاسية تشمل الزنازين الانفرادية لفترات طويلة، والحرمان من ضوء الشمس والهواء النقي ومنع السجناء من الخروج للفناء أو ممارسة الرياضة، وقطع الزيارات والاتصالات الأسرية لفترات طويلة دون مبرر قانوني، واستخدام الموسيقى العالية والضوضاء ليلاً، في بعض الفترات، كوسيلة لإرهاق السجناء ومنعهم من الخلود إلى النوم، وهي ممارسة وثّقتها منظمات كأشكال من التعذيب النفسي، فضلا عن التلاعب بدرجات الحرارة (برد قارس أو حرارة مرتفعة) في الزنازين، ما يؤدي إلى معاناة بدنية شديدة وشعور بالاختناق لدى المعتقلين.

إن هذه الممارسات، وفق المعايير الدولية المنصوص عليها في اتفاقية مناهضة التعذيب وقرارات الآليات الأممية، تُصنَّف ضمن التعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، خاصة حين تُستخدم بشكل ممنهج وطويل الأمد ضد سجناء الرأي والسجناء السياسيين.

الحرمان من الرعاية الصحية كتعذيب بطيء

توثّق منظمات حقوقية عدة حالات وفاة في السجون الإماراتية نتيجة الإهمال الطبي المتعمد والحرمان من العلاج، من بينها وفاة علياء عبدالنور عام 2019 بعد حرمانها من العلاج الكافي للسرطان وإبقائها مكبَّلة في السرير رغم تدهور حالتها.

وفي حالة الخاجة، تُشير البيانات المتوافرة إلى تدهور حالته الصحية في السنوات الأخيرة داخل سجن الرزين، وعدم تمكينه من فحوصات طبية مستقلة أو رعاية متخصصة رغم طول مدة الاحتجاز، علاوة على عزلته المتواصلة في سياق ما يسمى “المناصحة” وإعادة المحاكمة، الأمر الذي فاقم الآثار النفسية والجسدية.

وعليه، في ضوء هذه المعطيات، تُحمِّل الجمعية السلطات الإماراتية مسؤولية مباشرة عن وفاة الخاجة، باعتبارها نتيجة مزيج من الاحتجاز التعسفي طويل الأمد بعد انتهاء العقوبة، وظروف احتجاز حاطة بالكرامة الإنسانية في سجن الرزين، بالإضافة إلى الإهمال الطبي وسوء الرعاية الصحية، والضغط النفسي المستمر وإعادة المحاكمة على التهم ذاتها تقريباً.

إن هذه الحالة الخاصة بعلي الخاجة تمثل نموذجاً صارخاً لما حذرت منه العديد من المنظمات الحقوقية والخبراء المعنيين بحقوق الإنسان والهيئات والأممية بما في ذلك لجنة مناهضة التعذيب من أن احتجاز طويل الأمد، إعادة محاكمة على وقائع سابقة، استمرار التذرع بـ”المناصحة”، وبيئة سجنية قاسية أدت في النهاية إلى الوفاة داخل الحجز.

وفاة علي الخاجة وأنماط التعذيب وسوء المعاملة

استناداً إلى الوقائع الموثقة والمعايير الدولية، ترى جمعية ضحايا التعذيب في الإمارات أن وفاة علي عبدالله الخاجة داخل سجن الرزين هي نتيجة سلسلة مترابطة من الانتهاكات التي ترقى إلى مستوى التعذيب وسوء المعاملة، ويمكن تلخيصها في المحاور التالية:

1. التعذيب أثناء الاحتجاز السابق للمحاكمة والإخفاء القسري: احتجاز سري وانفرادي، وحرمان من الضمانات الأساسية، وادعاءات واسعة في قضية “إمارات 94” حول انتزاع اعترافات تحت التعذيب، وثقتها منظمات حقوقية وتقارير دولية.

2. الحبس الانفرادي الطويل والبيئة العقابية في الرزين: العزل في زنازين ضيقة، حرمان من التهوية والضوء الطبيعي، والتلاعب بدرجات الحرارة، وحرمان من الرياضة والعبادات الجماعية، واستخدام الضجيج الليلي، وهي ممارسات تشكل تعذيباً نفسياً وبدنياً وفق لجنة مناهضة التعذيب والفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي.

3. الإهمال الطبي والحرمان من الرعاية الصحية: نمط متكرر في السجون الإماراتية، أفضى سابقاً إلى وفاة معتقلين بينهم علياء عبدالنور، ويشكّل في حالته “إعداماً بطيئاً” للمحتجزين، خاصة ذوي الأمراض المزمنة.

الاحتجاز إلى أجل غير مسمى ومراكمة الأحكام (إمارات 94 ثم الإمارات 84)

• استمرار سلب الحرية بعد انتهاء الحكم، وإعادة المحاكمة على أفعال قديمة تحت عناوين “الإرهاب”، بما يناقض مبدأ عدم جواز محاكمة الشخص مرتين عن الفعل ذاته، ويحوّل حياة المعتقل إلى حالة من التعذيب النفسي الدائم القائم على انعدام الأفق وانهيار اليقين القانوني.

بهذا المعنى، فإن وفاة الخاجة ليست نتيجة “سبب طبيعي” بمعزل عن السياق، بل هي حصيلة بيئة تعذيبية ممنهجة تتحمل الدولة مسؤوليتها كاملة بموجب التزاماتها الدولية.

وعليه، فإننا في جمعية ضحايا التعذيب في الإمارات نطالب بفتح تحقيق دولي ومستقل في وفاة علي عبدالله الخاجة، بإشراف آليات الأمم المتحدة المعنية، وبمشاركة خبراء مستقلين، مع ضمان الشفافية الكاملة، وإعلان نتائج التحقيق للرأي العام، ومحاسبة كل من يثبت تورطه بالأمر أو الإهمال.

كما نطالب بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع معتقلي الرأي في الإمارات، وعلى رأسهم من أنهوا محكومياتهم ولا يزالون رهن “المناصحة” أو أعيدت محاكمتهم في إطار قضية “الإمارات 84”، ووقف استخدام قوانين الإرهاب كأداة لقمع المعارضة السلمية.

كما نطالب بإغلاق مراكز “المناصحة” في شكلها الحالي أو إصلاحها جذرياً وفق توصيات لجنة مناهضة التعذيب، بحيث تُلغى صيغة الاحتجاز إلى أجل غير مسمى، ويُضمن الحق الكامل في الطعن أمام قضاء مستقل، وتُحترم ضمانات المحاكمة العادلة.

إن استمرار احتجاز العشرات من معتقلي الرأي، وإعادة محاكمتهم على نحو جائر، وتجاهل توصيات لجنة مناهضة التعذيب والفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي، يضع الإمارات أمام سجل مظلم في مجال حقوق الإنسان، ويستدعي موقفاً واضحاً وحازماً من المجتمع الدولي للضغط من أجل إنهاء حقبة الإفلات من العقاب وضمان ألا تتكرر مأساة علي الخاجة مع ضحايا جدد.