بالتوازي مع اتهامات جديدة لدولة الإمارات باستمرارها في دعم قوات الدعم السريع RSF في السودان، حذر مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك من أن البلد يواجه خطرا وشيكا لموجة أخرى من الفظائع، وسط تصاعد القتال العنيف في أنحاء إقليم كردفان بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع والحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال.
وجاء في بيان صادر عن مكتب المفوض السامي بأنه منذ 25 تشرين الأول/أكتوبر، عندما سيطرت قوات الدعم السريع على مدينة بارا في شمال كردفان، وثقت المفوضية مقتل ما لا يقل عن 269 مدنيا جراء الغارات الجوية والقصف المدفعي والإعدامات الميدانية. وأضاف أن انقطاعات الاتصالات والإنترنت تعيق إعداد تقارير دقيقة، وبالتالي، يرجح أن يكون عدد الضحايا المدنيين أعلى من ذلك بكثير.
ووفقا للبيان، وردت تقارير عن عمليات قتل انتقامية واعتقالات تعسفية واختطاف وعنف جنسي وتجنيد قسري، بما في ذلك لأطفال. ووردت تقارير كذلك عن احتجاز العديد من المدنيين بتهمة “التعاون” مع الأطراف المتعارضة، كما يتزايد القلق أيضا بشأن استخدام خطاب الكراهية المثير للانقسام، ما قد يؤجج العنف.
ورغم ادعاء الإمارات في تصريحات رسمية احترام حقوق الإنسان داخليًا وخارجيًا، غير أن سجلا دوليًا متناميًا من الأدلة والتقارير يُظهر أن هذا الادعاء يقف في تناقض صارخ مع سلوكها على الساحة الإقليمية — خصوصًا في السودان — إذ تُتهم بدعم ميليشيا الدعم السريع التي ارتكبت جرائم ضد المدنيين، تشمل قمعًا عرقيًا، قتلًا جماعيًا، تهجيرًا قسريًا، ونهبًا.
الوقائع والاتهامات ضد الإمارات
مؤخرًا، أفاد تقرير لخبراء الأمم المتحدة، بأنه يُشتبه بأن الإمارات زودت قوات الدعم السريع بأسلحة — عبر تشاد — رغم حظر الأسلحة على السودان، كما وثقت منظمات حقوقية وثيقة الصلة مثل العفو الدولية وجود قنابل مدعومة بتقنيات متقدمة، قُصفت بها مناطق في شمال دارفور — وهو ما يمثل خرقًا واضحًا لصكوك الحظر الدولي على إيصال الأسلحة.
ووثّقت صور ومقاطع وسائل إعلام اجتماعية عمليات إعدام ميدانية خارج إطار القانون وكذا استهداف مدنيين فرّوا من مناطق الاشتباك، بعد سقوط مدينة الفاشر في يد قوات الدعم السريع المدعومة من الإمارات في أكتوبر 2025.
وفي تصريحات عدة يقول مسؤولون سودانيون إن “الإمارات اشترت صمت الغرب” تجاه المجازر التي ارتكبت ضد المدنيين، ووصف بعضهم تدخل أبوظبي بأنه حرب “عرقية” تهدف إلى طرد القبائل الأفريقية والتوطين العرقي. واتهموا الإمارات بإنشاء “مركز قيادة” في أبوظبي لإدارة الدعم اللوجستي، الإعلامي، وتسليح قوات الدعم السريع — ما يعكس مشروعًا مهيكلاً أكثر من مجرد دعم عارض.
وبحسب تصريحات مسؤولين حكوميين، فإن الاعتداءات طالت منازل في الخرطوم ومدن أخرى، بالإضافة إلى تدمير مستشفيات وبنى أساسية (كهرباء، مياه) — ما يرقى إلى جرائم حرب وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
كما تُظهر المعلومات الميدانية الموثوقة أنّ تدفّق السلاح إلى قوات الدعم السريع ما يزال مستمرًا عبر منافذ حدودية مفتوحة مع تشاد وليبيا، إضافة إلى رحلات جوية يُعتقد أنها تمر عبر قواعد إماراتية في أرض الصومال، الأمر الذي يساهم في إطالة أمد النزاع المسلح في السودان وما خلّفه من دمار واسع ونزوح قسري لملايين المدنيين. كما تشير تقارير مستقلة إلى وصول معدات عسكرية ذات منشأ بريطاني إلى قوات الدعم السريع، في دلالة خطيرة على تقاطع شبكات التسلّح الدولية مع أطراف متهمة بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
وتكشف تحقيقات إعلامية وحقوقية، من بينها ما نشره موقع ميدل إيست آي، عن منظومة واسعة لتهريب الأسلحة والمقاتلين تديرها شبكات مرتبطة بالإمارات، تشمل رحلات شحن سرية إلى الصومال وحركة مرتزقة—بمن فيهم مقاتلون كولومبيون جندتهم شركات أمنية خاصة—جرى نشرهم إلى جانب قوات الدعم السريع في مناطق النزاع بدارفور. وتمثل هذه الوقائع نمطًا من التدخلات المنظمة التي تتجاوز مجرد الدعم اللوجستي لتشكّل جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى إعادة تشكيل موازين القوى وإجهاض مسارات الانتقال الديمقراطي في المنطقة، والسودان أحد أبرز ساحاتها الراهنة.
كما كشف موقع “ميدل إيست آي”، في تقرير آخر، أن عدة حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي مرتبطة بقوات الدعم السريع في السودان يبدو أنها تُدار من دولة الإمارات العربية المتحدة. وفي الأيام الأخيرة، أطلقت منصة إكس، المعروفة سابقًا بتويتر، ميزة جديدة تتيح للمستخدمين معرفة مكان مقر الحساب والمنطقة التي يتصل منها بالتطبيق.
ووفقًا لهذه الميزة، يتبين أن عدداً من حسابات الشخصيات المرتبطة بالميليشيات السودانية أو الداعمة لها ومؤسساتها التابعة مقرها الإمارات، يشمل ذلك حساب وزارة الداخلية التابعة لحكومة السلام والوحدة، الإدارة الموازية التي أنشئت مؤخرًا والمدعومة من قوات الدعم السريع.
خرق الحظر على الأسلحة وإرسال دعم عسكري لميليشيات
بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي (مثل تجديد حظر الأسلحة على السودان ضمن نظام العقوبات 1591)، تُمنع إسقاط الأسلحة أو العتاد إلى جهات غير مصرح بها. وفي حال ثبوت أن الإمارات زودت الدعم السريع RSF بأسلحة أو ذخائر — كما وثّقت منظمات — فإن ذلك يُشكل خرقًا صارخًا للقانون الدولي ولقرارات مجلس الأمن، مع ما يترتب عليه من مسؤوليات دولية.
كما أن الانتهاكات الأخرى مثل القتل الجماعي، القصف العشوائي، الإعدام خارج القانون، التهجير القسري، تدمير بني تحتية مدنية (مستشفيات، مرافق مياه وكهرباء)، كلها جرائم وفق القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
وعند توجيه دعم مباشر لهذه الانتهاكات (تسليح، لوجستيات، دعم إعلامي/لوجستي)، فإن دولة الإمارات قد تُرتكب — أو تُساهم في — “مسؤولية مشاركة” في جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، ما يستوجب مساءلتها أمام محاكم دولية أو عبر آليات دولية.
خلاصة الأمر، رغم ما تدّعيه الإمارات من التزام بحقوق الإنسان داخليًا وخارجيًا، تشير الأدلة المتراكمة من تقارير أممية ومنظمات حقوقية وإعلام مستقل إلى أن أبوظبي لعبت — وما تزال — دورًا مهيكلاً في دعم ميليشيات ارتكبت انتهاكات جسيمة في السودان، تشمل قتلًا جماعيًا، تهجيرًا قسريًا، تدمير بني تحتية، وتدمير لمجتمعات بكاملها على أساس عرقي أو إثني.
كما أن تغاضي العالم عن هذه الحقائق تحت مُبرّر “السياسة” أو “المصالح” لا يبرئ دولة الإمارات من المسؤولية القانونية والحقوقية. بل على العكس: يضعها أمام اختبار أخلاقي وقانوني: هل ستكون محاسبة للمسؤولين، تقديم تعويضات للضحايا، وضمان عدم إفلات من العقاب — أم أن الأموال والضغوط السياسية ستشترى صمت الضمير الدولي؟.


