جمعية ضحايا التعذيب

جرائم الاغتيالات والتعذيب في السجون السرية باليمن.. هل أفلتت الإمارات من العقاب؟

لا يزال ضحايا السجون السرية التي أنشأتها الإمارات في اليمن وأهالي الاغتيالات السياسية المدعومة من أبو ظبي في انتظار العدالة والمحاسبة، حيث أكد عدد من أهالي الضحايا في اتصالات أجرتها معهم جمعية ضحايا التعذيب في الإمارات أنهم لم يفقدوا الأمل في إمكانية ملاحقة قادة الإمارات أمام المحاكم الدولية على الجرائم المرتكبة في اليمن.

يقول أحد ضحايا السجون السرية الذين أفرج عنهم واضطر للهروب إلى خارج اليمن خشية اعتقاله مجددًا إن معاناته لم تنتهِ بعد، فالخروج من البلاد هربًا من الانتهاكات بعد خروجه من السجن مثل بالنسبة له رحلة معاناة جديدة بعد أن خسر وظيفته كإمام مسجد في عدن وترك جزءًا من أسرته وأقاربه هناك، ناهيك عن معاناته جراء ظروف الاغتراب عن وطنه وفقدان مصالحه.

وتشكّل قضية التحقيق والمساءلة بشأن الجرائم المرتكبة باليمن وملاحقة المتسببين فيها، بما في ذلك عمليات التعذيب والإخفاء القسري والاغتيالات التي تورطت فيها الإمارات، مطلباً أساسياً لليمنيين، رغم الأحداث المتوالية.

وكانت العديد من التقارير الحقوقية والتحقيقات الاستقصائية قد كشفت عن انتهاكات مروعة ارتكبتها دولة الإمارات العربية المتحدة في اليمن، مسلطةً الضوء في جانب منها على السجون السرية لأبو ظبي هناك ومدى معاناة المعتقلين فيها والانتهاكات التي تحدث بحقهم، وسط معاناة مستمرة منذ سنوات من حرب طاحنة أدخلت أكثر من 20 مليون إنسان في أسوأ أزمة إنسانية.

وأنشأت القوات الإماراتية بعد سيطرتها على مناطق في جنوب اليمن سجوناً غير رسمية، أُخفي فيها قسراً مدنيون يُعتقد أنهم معارضون لها، بحجة محاربة الإرهاب، ودعمت الإمارات جماعات مسلحة محلية تدين لها بالولاء تحت أسماء مختلفة كالحزام الأمني والنخبة الحضرمية والنخبة الشبوانية التي ساهمت في إدارة تلك السجون.


القضاء الفرنسي

هذه الجرائم دفعت القضاء الفرنسي أكثر من مرة إلى فتح تحقيقات فيها، ضد الإمارات وحاكمها محمد بن زايد آل نهيان، ففي 17 يوليو 2020، على سبيل المثال، فتح القضاء الفرنسي تحقيقاً بحق محمد بن زايد الذي كان ولي عهد أبوظبي آنذاك، في قضية “تواطؤ في أعمال تعذيب” بحرب اليمن.

وتتعلق القضية بإيداع ستة مواطنين يمنيين، كمطالبين بالحق المدني، شكوى لدى ديوان قاضي التحقيق الخاص بالجرائم ضد الإنسانية في محكمة باريس، يدَّعي فيها المشتكون تعرّضهم للتعذيب في مراكز اعتقال باليمن، تشرف عليها قوات إماراتية.

وقد استندت الشكوى إلى أن محمد بن زايد، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، قد يكون قدّم الوسائل والأوامر لارتكاب هذه الانتهاكات.
ولكن في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، قررت محكمة النقض الفرنسية، وهي أعلى محكمة جنائية في البلاد، إغلاق التحقيق في هذه القضية، مؤكدةً قرار محكمة أدنى بإسقاط الدعوى بسبب تمتّع بن زايد بحصانة دبلوماسية.

رغم ذلك، أعرب الضحايا عن نيتهم في تقديم دعوى أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، سعيًا لمتابعة القضية على المستوى الأوروبي.

الاغتيالات

ومن الجرائم الخطيرة التي تتهم دولة الإمارات العربية المتحدة بارتكابها في اليمن تمويل عمليات الاغتيالات بدوافع سياسية، وفقًا لما كشفه تقرير استقصائي لبي بي سي.

حيث أوضح التقرير أن تدريبات مكافحة الإرهاب التي وفرتها قوات من المرتزقة الأمريكيين لوحدات إماراتية عاملة في اليمن استخدمت في تدريب عناصر محليين يمكنهم العمل بتستّر، ما أدى إلى زيادة وتيرة الاغتيالات السياسية المقصودة خلال الفترة بين عامي 2015 و 2019.

كما اكتشفت بي بي سي أنه رغم الهدف المعلن للمرتزقة الأمريكيين المتمثل بالقضاء على الخلايا الإرهابية للقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية في جنوب اليمن، ذهبت دولة الإمارات أبعد من ذلك لاغتيال قادة سياسيين خصوصا من حزب الإصلاح، وأئمة مساجد ورجال دين لا علاقة لهم بالتنظيمات الإرهابية.

وينص القانون الدولي على أن قتل أي مدني من دون إجراءات قضائية يعتبر غير قانوني. وقد حصلت شبكة بي بي سي على مشاهد مسرّبة من تسجيلات أول عملية اغتيال، حيث كانت بمثابة نقطة انطلاق للتحقيق في شأن عمليات القتل الغامضة تلك. تعود تلك المشاهد إلى شهر ديسمبر/كانون الأول سنة 2015، ومصدرها شركة أمنية خاصة أمريكية تدعى Spear Operations Group (مجموعة عمليات سبير).

وقد تمكنت بي بي سي من الوصول إلى أحد الأشخاص الذين كانوا خلف العملية المصورة في تلك المشاهد، يدعى “إسحق Isaac جيلمور”، وهو عنصر سابق في وحدة غطّاسي البحرية (الأمريكية)، وقد أصبح الرجل الثاني في مجموعة Spear Operations، وهو من بين العناصر الأمريكيين الذين يقولون إنهم وظِّفوا لتنفيذ عملية الاغتيال بتكليف إماراتي.

ويضيف تقرير بي بي سي أنه عندما انكشفت أدوار المرتزقة المدعومين من الإمارات وأصبحت أكثر وضوحًا في عدن، وأصبحوا بالتالي في وضع مكشوف وخَطِر، أُدخِل تعديل على المهمّة التي تحولت إلى التدريب، كما عمدَ الضباط الإماراتيون “بدورهم إلى تدريب اليمنيين من أجل أن يتولوا هم تنفيذ الاغتيالات”، وفقًا لما كشفه مسؤول عسكري لمعد التقرير.

وبحلول عام 2017، ساهمت دولة الإمارات العربية المتحدة في بناء ميليشيا مسلحة – تحت اسم “المجلس الانتقالي الجنوبي” – كانت تعمل على تنظيم شبكة من المجموعات المسلحة في جنوب اليمن.
وقد كانت تلك القوة تعمل بصورة مستقلة عن الحكومة اليمنية، ولا تتلقى الأوامر إلا من الإمارات، ولم يكن تدريب تلك العناصر مقتصرًا على القتال في الجبهات الأمامية، بل واحدة من تلك الوحدات على وجه الخصوص، قوة النخبة لمكافحة الإرهاب، دُرّبت على الاغتيالات.

المحامية هدى الصراري كانت تحقق في تعديات على حقوق الإنسان ارتكبتها في الميدان قوات مدعومة من الإمارات. ونتيجة عملها كانت تتلقى تهديدات بالقتل. إلا أن ابنَها محسن البالغَ من العمر ثمانية عشر عامًا دفع الثمن بحياته. فقد قُتِل بإطلاق نار في صدره في شهر مارس/آذار 2019 بينما كان متوجّهًا إلى محطة وقود في المنطقة، وفارق الحياة بعدها بشهر واحد. بعد عودة هدى إلى مزاولة العمل في أعقاب مقتل ولدها، تلقت بدورها رسائل تتضمن تحذيرًا بضرورة التراجع. وقد جاء في واحدة من تلك الرسائل “ألم يكن موتُ ولدٍ واحد كافيًا؟ هل تريديننا أن نقتل الثاني؟”

وجدت تحقيقات إضافية قام بها المدّعي العام في عدن أن محسن قُتِل على يد أحد عناصر وحدة النخبة لمكافحة الإرهاب التي تشرف عليها الإمارات، ولكن السلطات لم تستكمل إجراءات الملاحقة قضائيًّا.
أخبر البي بي سي عدد من موظفي مكتب المدّعي أن الاغتيالات التي انتشرت على نطاق واسع خلقت جوًّا من الذعر أدى إلى شعورهم بالخوف من المضي في طلب العدالة في القضايا التي تتعلق بالقوات المدعومة من الإمارات.

رغم ذلك، لا يزال أهالي ضحايا الاغتيالات في جنوب اليمن يتحينون الفرصة لإعادة فتح التحقيق في هذه الجرائم والمطالبة بالمساءلة محليا ودوليا، كما يقولون.