جمعية ضحايا التعذيب

الإمارات تستخدم المنصات الدولية الحقوقية لتمرير دعايتها المضللة حول حقوق الإنسان

تواصل دولة الإمارات استخدام المنصات الأممية لتمرير دعايتها المضللة حول حقوق الإنسان في البلاد رغم استمرار القمع ومصادرة الحريات وانتهاك الحقوق المدنية والسياسية الأساسية.
ففي جلسة رفيعة المستوى خلال الدورة التاسعة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان، الأسبوع الفائت، حاولت دولة الإمارات العربية المتحدة تصوير نفسها كمدافع عن الحقوق الأساسية، وعلى رأسها “الحق في المياه وخدمات الصرف الصحي”، مستعرضةً مبادرات إنسانية وتنموية على المستويين المحلي والدولي، بينما تقبع خلف هذا الخطاب الودي، ممارسات ممنهجة من القمع، والتعذيب، والتنكيل بالمعارضين، تُفرغ هذا الادعاء من أي مضمون حقيقي، وتؤكد أن الإمارات تستخدم المنصات الأممية ليس للدفاع عن حقوق الإنسان، بل لتبييض سجلّها الحقوقي.

الحق في المياه لا يعوّض انتهاك الحقوق الأساسية الأخرى
رغم أهمية الحق في الحصول على المياه النظيفة، فإنه لا يمكن اعتباره مبررًا للتغاضي عن انتهاكات أشدّ خطورة تمارسها السلطات الإماراتية بحق المواطنين والمقيمين، بما في ذلك استمرار الاعتقال التعسفي لعشرات النشطاء والمفكرين والأكاديميين في سجن الرزين سيئ الصيت، بعضهم تجاوزت مدة سجنهم الأحكام الصادرة بحقهم، مثل حالة محمد الركن وأحمد منصور، وغيرهما.
كما تواصل السلطات الإماراتية فرض قيود صارمة على حرية التعبير، وإغلاق المجال العام أمام أي صوت معارض، بما في ذلك سنّ قوانين تجرّم الانتقاد السلمي للسلطات، فضلا عن ممارسات التعذيب والانتهاكات الجسيمة في السجون، وغياب الرقابة القضائية المستقلة.
وبلغت مستويات القمع حد استخدام تهم فضفاضة مثل “الإرهاب” أو “تقويض الدولة” لسجن المعارضين، في ظل غياب الشفافية وحرمان المتهمين من ضمانات المحاكمة العادلة، كما هو الحال في ما يتعلق بالأحكام الأخيرة الجائرة التي طالت عددًا من معتقلي الرأي.

استخدام المنصات الدولية لتزييف الحقائق وترويج الدعاية
لقد تحوّلت مشاركة الإمارات في مجلس حقوق الإنسان، بما فيها الجلسة الأخيرة التي استعرضت فيها مبادرات المياه، إلى أداة دعائية تستخدم لتلميع الصورة الدولية، وليس لمراجعة السياسات الحقوقية.
ففي الوقت الذي تروّج فيه الإمارات لمبادرات المياه، لا تزال ترفض استقبال بعثات المقررين الخاصين للأمم المتحدة، خاصة المعنيين بالتعذيب، والاختفاء القسري، واستقلال القضاء، كما تعتمد الإمارات على رعاية فعاليات دولية، واستضافة مؤتمرات أممية – كما هو الحال مع استضافتها المرتقبة لمؤتمر الأمم المتحدة للمياه 2026 – لإعادة تصدير صورة الدولة كـ”شريك تنموي وإنساني”، رغم سجلّها المظلم في قمع الحريات، ناهيك عن تعمدها تضليل الرأي العام العالمي من خلال التقارير الرسمية المزيفة التي تتجاهل الانتهاكات الداخلية وتضخّم الإنجازات الخارجية.

ازدواجية المعايير واستغلال القضايا الإنسانية لأغراض سياسية
من خلال متابعة السياسة الخارجية، تبرز مظاهر الانتقائية في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان، ففي الوقت الذي تروّج فيه لمبادرات المياه، تمارس الإمارات سياسة التجويع والعطش في السجون، بحرمان معتقلين من العلاج والرعاية الصحية الأساسية، ومنع زيارة الأهالي أو الاتصال بهم.
وبينما تدّعي دعم “المساواة بين الجنسين”، تعاني النساء المدافعات عن حقوق الإنسان من التهميش والملاحقة، ويُمنع الكثير منهن من السفر أو التعبير عن آرائهن.
كما تتبنى أبو ظبي ما تصفها بـ “استراتيجيات الأمن المائي”، في حين تساهم بتقويض الأمن الإنساني عبر تدخلاتها في بلدان مثل اليمن وليبيا والسودان، ودعم أطراف مسلحة ارتكبت انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
إن استمرار الإمارات في استخدام المنصات الأممية لتمرير دعايتها المضللة يشكل خطرًا على مصداقية منظومة حقوق الإنسان الدولية، ويقتضي من المجتمع الدولي موقفًا حازمًا في التأكيد على عدم الاكتفاء ببيانات الإمارات الرسمية، ومطالبتها بالكفّ عن استخدام القضايا الإنسانية كغطاء لانتهاكات أعمق، والضغط من أجل الإفراج عن المعتقلين السياسيين، وإعادة النظر في قبول استضافة دولة تمارس القمع الداخلي للمؤتمرات الأممية ذات البعد الحقوقي، ما لم تلتزم فعليًّا بإصلاحات جذرية وشفافة. بالإضافة إلى تمكين آليات المراقبة الأممية من الدخول إلى الأراضي الإماراتية، بما يشمل السماح للمقررين الخاصين بزيارة السجون والاطلاع على أوضاع المعتقلين.
وفي خلاصة الأمر، إن التشدق الإماراتي بـ”الحق في المياه” لن يغسل سجلًّا متخمًا بالانتهاكات ضد حرية الإنسان وكرامته. ومهما ارتدت السلطات عباءة الإنسانية على المنابر الدولية، فإن الحقيقة التي تؤكدها شهادات الضحايا والتقارير الحقوقية المستقلة ستظل حاضرة، تُدين، وتفضح، وتذكّر بأن العدالة لا تقبل التزوير.