بعد سنوات من الاحتجاز في معتقل غوانتانامو الأمريكي سيئ السمعة، ظنّ 18 معتقلا يمنيا أن رحلتهم مع المعاناة ستنتهي عند الإفراج عنهم، غير أن رحلة العذاب استمرت، بل وازدادت قسوة، في سجون دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تعهّدت أمام واشنطن بإعادة تأهيل المفرج عنهم، لكنها حوّلت تلك المهمة إلى ساحة جديدة من الانتهاكات لا تقل سوءًا عن غوانتانامو .
من غوانتانامو إلى سجون الإمارات… وعود كاذبة
بحسب شهادات حصرية حصلت عليها جمعية ضحايا التعذيب في الإمارات، فقد نُقل عدد من اليمنيين المفرج عنهم من غوانتانامو إلى الإمارات على دفعات الأولى في أغسطس/ آب 2016، بموجب ترتيبات ثنائية مع الولايات المتحدة تقضي بإعادة دمجهم في الحياة المدنية. إلا أن هؤلاء لم يُستقبلوا في مراكز تأهيل، بل أُودعوا في زنازين انفرادية، في ظروف وصفتها شهادات المعتقلين بأنها “أسوأ من غوانتانامو نفسه”.
يقول أحدهم لجمعية ضحايا التعذيب، مشترطًا عدم ذكر اسمه: “عشت خمس سنوات في زنزانة انفرادية قرب مدينة العين، بعد شهر أول في سجن أبو ظبي… لم أرَ الشمس ولم أكلم أحداً، وكانوا ينقلونني مغمض العينين حتى لا أعرف أين أنا. خرجت مقيدًا على متن طائرة إلى المكلا، ولم تُفكّ أصفادي إلا في مطارها”.
ويوضح أنه الآن يعيش في قرية نائية داخل بيت مهجور قديم بعد أن فقد كل شيء: “لا بيت، لا عمل، لا زوجة… السجون سرقت عمري”.
ضحية أخرى من المفرج عنهم يروي لجمعية ضحايا التعذيب قصة مشابهة. اعتُقل في باكستان عام 2002 بسبب “كونه عربيًا”، ثم سُلم للقوات الأمريكية، ومرّ عبر سلسلة من السجون السرية قبل وصوله إلى غوانتانامو، حيث لم توجّه إليه أي تهمة.
يضيف: “في الإمارات، لم يكن هناك أي تأهيل. كان السجن أشد وطأة، والتعامل أكثر قسوة، وكأنهم يعاقبوننا لأننا خرجنا من غوانتانامو. خرجت من هناك محطمًا نفسيًا وجسديًا، واليوم أحاول أن أعيش وأعيل أسرتي، لكن آثار السنين ما تزال تنهشني”.
صمت رسمي ومطالب بالتعويض
من جهتها، لا تزال السلطات اليمنية تلتزم الصمت حيال أوضاع هؤلاء المعتقلين السابقين، رغم ما تعرضوا له من انتهاكات جسيمة لا تسقط بالتقادم. ولم تتلقَ أي من العائلات المتضررة دعمًا حكوميًا أو مساعدات إنسانية لإعادة دمج أبنائها في المجتمع.
جمعية ضحايا التعذيب تطالب بتحقيق دولي مستقل في ظروف احتجاز هؤلاء في الإمارات، وبمنحهم تعويضات عادلة، إضافة إلى ضمانات بعدم تكرار هذه الممارسات بحق أي معتقل يُرحل في المستقبل باسم “التأهيل”.
وصمة لا تمحى
يعيش اليمنيون المفرج عنهم اليوم على هامش الحياة، بين فقر مدقع، وعزلة اجتماعية، وآثار نفسية عميقة. وبالرغم من أنهم لم يُدانوا بأي جريمة، إلا أن “وصمة غوانتانامو” لا تزال تلاحقهم في كل مكان.
يقول أحدهم، وقد طلب عدم ذكر اسمه: “نحن ضحايا حرب لم نخترها، وسجناء بلا تهم، وناجون من منظومتين قاسيتين: واحدة باسم الحرب على الإرهاب، وأخرى باسم إعادة التأهيل”.
إن قضية المعتقلين اليمنيين السابقين في غوانتانامو وسجون الإمارات تفتح ملفًا مظلمًا من الانتهاكات العابرة للحدود، وتسلّط الضوء على فشل النظام الدولي في حماية أبسط حقوق الإنسان.
ووسط صمت الحكومات وتواطؤ بعض الأنظمة، تبقى العدالة المؤجلة جرحًا مفتوحًا في ذاكرة من عاشوا سنوات السجن دون ذنب، ويعيشون اليوم في وطن لا يملك لهم مأوى، ولا صوتًا يطالب بحقوقهم.