نددت “هيومن رايتس ووتش” بإدراج السلطات الإماراتية 11 معارضا سياسيا وأقاربهم، بمن فيهم أشخاص باتوا يحملون جنسيات أخرى، بالإضافة إلى ثماني شركات يملكونها، على قوائم “الإرهاب”، مؤكدةً بأن ذلك يعكس استخدام الدولة العشوائي لقوانين مكافحة الإرهاب الفضفاضة، وازدراءها للإجراءات القانونية الواجبة، وطالبت بإزالة تصنيفات الإرهاب هذه فورا.
وكانت السلطات الإماراتية أعلنت في 8 يناير/كانون الثاني 2025، عن قرار وزاري من جانب واحد بإدراج 11 فردا وثماني شركات في قوائم الإرهاب المحلية لصلاتهم المزعومة بتنظيم “الإخوان المسلمين”، دون مراعاة للإجراءات القانونية الواجبة، كما أن السلطات لم تُبلغ هؤلاء الأفراد أو الكيانات قبل إدراجهم، ولم تُتح لهم أي فرصة للرد على هذه الادعاءات أو دحضها، وهو ما يؤكد استمرار سياسات القمع والترهيب وإساءة استخدام مصطلح الإرهاب وقوانين مكافحته، وفي الوقت نفسه تعد هذه الخطوة تصعيدا للقمع العابر للحدود الذي تمارسه الإمارات، والذي لا يستهدف المعارضين فحسب، بل أيضا أفراد عائلاتهم.
ووفقًا لبيان هيومن رايتس، فقد وجدت المنظمة أن جميع الشركات الثماني مسجلة حصريا في بريطانيا، ويملكها أو كانت مملوكة سابقا لمعارضين إماراتيين في المنفى أو أقاربهم. تسعة على الأقل من الأفراد الـ 11 الذين أدرجوا في قوائم الإرهاب هم معارضون سياسيون أو أقاربهم.
وأضافت أن اثنان فقط أُدينا من بين الـ 11 شخصا أو اتُهموا بجريمة إرهابية، وإن كانت كلتا الإدانتين في ظروف مشكوك فيها، وفقا لمصادر مطلعة و”مركز مناصرة معتقلي الإمارات”، وهي منظمة حقوقية تدعم المدافعين عن حقوق الإنسان المسجونين في الإمارات. أُدين أحدهم غيابيا في إطار محاكمة “إمارات 94” الجماعية الجائرة للمعارضين السياسيين عام 2013، بينما اتُّهم الآخر في قضية منفصلة تتعلق بدعم معتقلي “الإمارات 94”.
نتائج الإدراج
تقول جوي شيا، باحثة الإمارات في هيومن رايتس ووتش: إن “إدراج 19 شخصا وشركة في قوائم الإرهاب المزعومة دون أي مراعاة للإجراءات القانونية الواجبة، وما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة على سبل عيشهم، يُمثل استهزاء بسيادة القانون. على الحكومة البريطانية أن تتدخل للدفاع عن الشركات البريطانية ضد الادعاءات الزائفة للسلطات الإماراتية، لا سيما مع اقترابها من توقيع اتفاقية تجارة حرة مع دول الخليج والتي يبدو أنها تفتقر حتى إلى أبسط حماية لحقوق الإنسان”.
تقول المنظمة إن الأفراد المدرجة أسماؤهم في قوائم الإرهاب لم يعلموا بإدراجهم عليها إلا بعد أن نشرت “وكالة أنباء الإمارات” (وام)، الخبر على موقعها الإلكتروني، حيث قال أحد الأشخاص الذين أدرجوا لـ هيومن رايتس ووتش: “كانت صدمة حقيقية، لقد كان الأمر صعبا للغاية”، وأضاف آخر: “تفاجأت بظهور أسمائنا في قضية الإرهاب للتو”، مؤكدًا بأنه لا توجد “قضية، ولا قرار قضائي”، فيما قال آخر: “لم أُدَن قط، ولا توجد أي قضية ضدي”.
بحثت هيومن رايتس ووتش عن الأفراد والشركات المدرجة في قوائم الإرهاب والعقوبات المالية العالمية، بما في ذلك “قائمة الجزاءات الموحدة للأمم المتحدة”، و” قائمة جزاءات الاتحاد الأوروبي”، و”القائمة الموحدة للأهداف الخاضعة للعقوبات المالية” في بريطانيا. ولم يُدرج أيٌّ منهم في هذه القوائم المعترف بها دوليا.
إن هذا الإدراج يعيد التذكير بأن قانون مكافحة الإرهاب الإماراتي لعام 2014 يتضمن تعريفا فضفاضا للإرهاب، ويسمح للسلطة التنفيذية بإدراج الأفراد والكيانات في قوائم الإرهاب دون أي شرط قانوني يقتضي إثبات الأساس الموضوعي للادعاء، كما لا يُحدد القانون إجراء واضحا لكيفية ممارسة هذه الصلاحية، ولا ينصّ على أي رقابة.
ويواجه الأفراد المُدرجون في قوائم الإرهاب تجميدا فوريا للأصول ومصادرة للممتلكات بموجب قانون مكافحة الإرهاب وقرار مجلس الوزراء رقم 74 لسنة 2020. ويواجه الموجودون في الإمارات، بما يشمل أقاربهم وأصدقاءهم، عقوبة محتملة بالسجن مدى الحياة لتواصلهم مع أي شخص مُدرج في القائمة. وقد وجدت هيومن رايتس ووتش أن هذا الإدراج قد أثر سلبا في مسارات الأفراد المهنية وأموالهم الشخصية، بما في ذلك من خلال فقدان فرص العمل والعملاء.
ويقول معارضون إماراتيون في المنفى إن هذه التصنيفات جزء من حملة الإمارات المستمرة على المعارضة السياسية. وقال أحد الأشخاص الذين ورد اسمه في القوائم: “إنهم يريدون إيذاءنا قدر الإمكان”.
لقد استهدفت السلطات الإماراتية مرارا الإخوان المسلمين على مدار العقد الماضي، وما تزعم أنه فرعها الإماراتي، “جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي” (الإصلاح)، في حملة قمع واسعة. والإصلاح جماعة سلمية انخرطت في نقاش سياسي سلمي في الإمارات لسنوات عديدة قبل الحملة، ودعت إلى مزيد من الالتزام بالمبادئ الإسلامية والإصلاح السياسي. العديد من المحتجزين في محاكمة الإمارات 94 الجماعية الجائرة عام 2013 هم أعضاء في الإصلاح، و أدرجت الإمارات الإخوان المسلمين في قوائم الإرهاب عام 2014. قال أحد الأشخاص المدرجة أسماؤهم في قوائم الإرهاب: “ترفض حكومة الإمارات وجود معارضة سياسية أو أي رأي يتعارض مع سياساتها، لذا تسعى إلى إسكات جميع الأصوات”.
يُمكّن قانون مكافحة الإرهاب لعام 2014 المحاكم من إدانة منتقدي الحكومة السلميين بالإرهاب والحكم عليهم بالإعدام. استُخدم هذا القانون مرارا وتكرارا ضد المعارضين السياسيين. في يوليو/تموز 2024، حُكم على 53 مدافعا عن حقوق الإنسان ومعارضا سياسيا بأحكام طويلة تعسفية في ثاني أكبر محاكمة جماعية غير عادلة في البلاد.
قمع المعارضة
إلى جانب الأضرار المباشرة لضحايا الإدراج في قوائم الإرهاب الإمارتية، فإن الإمارات درجت بانتظام على استخدام اتهامات الإرهاب لاضطهاد المعارضين السلميين ومضايقتهم، وقد نقلت هيومن رايتس ووتش عن أحد هؤلاء الأشخاص قوله: “هذه التهديدات والمضايقات تهدف إلى وضعك تحت الضغط والتوتر طوال الوقت، ومنعك من عيش حياتك بشكل طبيعي”.
ورأى آخرون أن هذا التصنيف جزء من جهد أوسع للضغط على الموجودين في المنفى للعودة إلى الإمارات، حيث سيواجهون عقوبات شديدة، بما في ذلك الضغط على عائلاتهم وشركاتهم. قال شخص يعيش في المنفى: “إنهم يحاولون الضغط علينا للعودة”.
يبدو أن الإمارات تُصعّد اضطهادها لما هو أبعد من المعارضين الذين يُصرّحون بآرائهم، ليشمل أفراد عائلاتهم الذين لم يشاركوا في السياسة ولم يتحدثوا علنا عن سجل البلاد في مجال حقوق الإنسان. قال أحد الأشخاص: “العديد من الأشخاص المدرجة أسماؤهم في القائمة، لم يُعبّروا عن معارضتهم للحكومة”.
تقول هيومن رايتس ووتش إن الحكومة البريطانية تسعى إلى إبرام اتفاقية تجارة حرة مع “مجلس التعاون لدول الخليج العربية”، لكن من دون أي حماية واضحة لحقوق الإنسان. وفي هذا السياق حثّت المنطمة بريطانيا ودول مجلس التعاون على تضمين شروط قوية لحقوق الإنسان في أي اتفاقية مستقبلية، وعدم إبرام الاتفاقية إلا بعد توفر شفافية عامة مفصلة حول حماية الحقوق فيها.